إلى السيد مدير المكتب المركزي للأبحاث القضائية بالمغرب الأستاذ عبد الحق الخيام.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إن تصريحاتك الرسمية في بعض المحافل الدولية بأن المغرب كان هدفا للتهديدات الإرهابية منذ سنوات السبعينات وخصوصا بعد بروز نشاط الشبيبات الإسلامية في الساحة المغربية، فيها قفز وتجاوز كبيران على الحقائق التاريخية أولا، وتوظيف غير عادل لما تورط فيه أسلافك من الأجهزة الأمنية وقادتها، في سياق أحداث معاصرة لا علاقة لها بالحركة الإسلامية المغربية وشبيبتها الإسلامية، شبيبتها التي سميتها (الشبيبات) ربما تمهيدا لتوظيفات أخرى ينوي بعضهم فبركتها.
أما القفز على الحقائق التاريخية، فيتمثل في محاولة طمس معالم الأحداث الإرهابية التي لا يتسع المجال في هذه العجالة لذكرها، والمتعلقة بجرائم الاغتيال التي لا تكاد تحصى، والتي ذهب ضحيتها رجال من المقاومة وجيش التحرير والقادة النقابيين والسياسيين الذين لم يكن ذنبهم إلا أن المخزن كان متوجسا منهم وغير مطمئن إلى ولائهم، وقد ذاع عالميا خبر تورط بعض أسلافك في تصفيتهم.
أما تجاوز الحقائق من أجل أن يستقيم لك التوظيف، فيتمثل في تجاهل دور الدولة رسميا في تأسيس الإرهاب بين الشباب المتدين، وتشجيعهم عليه، بل وتمويلهم وتوفير كافة الوثائق الرسمية لهم من أجل الالتحاق بمناطق التوتر المشتعلة، ولا أحتاج لتذكيرك بأن الدولة متمثلة في الثلاثي عبد الكريم الخطيب وأحمد بن سودة وإدريس البصري كانوا أول من خطط لإرسال بعض الشباب المتدين البسيط إلى البؤر المشتعلة تخلصا منه وتصفية له أو تجسسا به لصالح الأجهزة، كما هو الحال بإرسال بعضهم إلى محرقة أفغانستان، والبعض الآخر إلى إيران للتجسس عليها وادعاء اعتناق معتقداتها، ثم إلى دول الجوار للتجسس عليها تحت غطاء من الثورية المزيفة، ثم إلى محرقتي سوريا والعراق للأهداف نفسها.
أعتقد أن معلوماتك الأمنية وثقافتك التاريخية لا تخفي عليك حقائق لا يليق القفز عليها أو تجاوزها، حقائق متعلقة بحركتنا الإسلامية وشبيبتها الإسلامية (وليست بشبيباتها)، وبنهجنا السلمي منذ كانت، وإلى حدود الساعة:
من هذه الحقائق أننا حركة مرخصة قانونيا، استغرق بناؤها والتبشير بها حوالي ثلاث سنوات منذ سنة 1969 وتوجت جهود الإعداد لها والتبشير بها بالترخيص الرسمي سنة 1972م.
ومن هذه الحقائق أن منهج اختراق الأحزاب والجمعيات والحركات الذي تعرفه جيدا قد عجز عن اختراقنا عجزا كاد أن يكون تاما بفضل ابتعادنا مطلقا عن السياسة وأنشطتها المعتادة، وبفضل تربية كثير من أبنائنا على الزهد وعدم التعلق بالمصالح الوضيعة، ولذلك قرر أسلافك قطع رأس حركتنا، والاستفراد بأبنائنا قبل أن يقوى عودهم أو تكتمل تربيتهم، ثم استعمال بعضهم في مجالات تعرفها جيدا، والتلاعب بعقولهم البسيطة وحاجات معاشهم اليومي.
ومن أجل ذلك كوّن المخزن لجنة من مستشارين ملكيين على رأسهم بنسودة والشرقاوي وإدريس البصري ومستشارين أجانب لهم تجربة إسلامية مشرقية من مصر والسعودية وسوريا لا داعي لذكرهم لكونك تعرفهم جيدا، ولأن دورهم مدون في الأرشيف الرسمي للأجهزة، وكان ما أشارت به اللجنة من ضرورة استئصالي شخصيا، وتحييد القيادات التي كانت معي بالتخويف والاعتقال والتهديد والوعيد، مع إعداد قيادات بديلة ممن لا علاقة لهم بنا أو بحركتنا، مع الاحتفاظ بعدد قليل جدا ممن كان لهم شبه علاقة بنا، ليكونوا هم المحلل الشرعي لما أسميتموه حزب العدالة والتنمية الذى سلمتموه رئاسة الحكومة مرتين، ولا أحتاج في هذه العجالة إلى التذكير بمحاولة اغتيالي عندما دعيت للمشاركة في المسيرة الخضراء، ولا إلى الكمائن التي نصبت لي في بعض الطرق ليلا، ولا إلى محاولة تصفيتي في قارعة الطريق ليلا في شارع الحزام الكبير بالدار البيضاء، ولا إلى الهجوم على في بيتي ليلا، ولعلي لا أحتاج إلى تذكيرك بمحاولات تصفيتي رميا بالرصاص خارج المغرب أيضا حيث أصاب الرصاص ذراع الأخ محسن بناصر ودران بميدان الجزائر في العاصمة الليبية طرابلس، على يد عملاء الأجهزة المغربية، لولا أن الله تداركني ومن معي بلطفه وحمايته.
أما محاولة توريط الشبية الإسلامية في جريمة اغتيال عمر بن جلون من أجل قرصنتها وتصفية قيادتها وتسخير السذج وصغار السن وقليلي التجربة من أبنائها، فهي أشهر من نار على علم، وإن كان الله تعالى قد أجرى على لسان من خطط لها وحرض عليها وهو الدكتور عبد الكريم الخطيب ..أجرى على لسانه وهو بأتمه والاستقلال –كما يعبر عنه العدول في المحاكم الشرعية- أجرى على لسانه صورة وصوتا في شريط القناة التلفزيونية المغربية الأولى اعترافا صريحا بأن الملك الحسن الثاني أخبره بأن ملف القضية يضم ما يثبت تورطه شخصيا في التخطيط والتحريض على قتل عمر، واعترافا بما يثبت تبنيه للجريمة رعاية قبلية وبعدية بل وافتخارا بها.
الأخ الخيام، لا شك أن حيويتك وشبابك يؤهلانك لما ترومه وتصبو إليه، ولكن ينبغي أن تضيف إلى حيويتك وشبابك وطموحك تأملا عميقا في تاريخ من سبقك إلى الطريق، وتجارب من سلكها قبلك، وتدقيقا بينا للأحداث قبلك، دوافعَ حقيقيةً لا مفبركةً أو مزيفةً أو مُعادا تركيبُها، وأهدافا لأصحابها حقيقيةً لا مصطنعةً أو مُدَّعاة، ونتائجَ جناها الوطن وجناها أو يجنيها القائمون بها أو عليها .
أخلص من هذه المقدمة الموجزة إلى النقاط التالية الموجزة أيضا وهي:
أن الإرهاب من أول عهد للمغرب به في سنة 1955 وإلى الآن، كان المخزن صاحب بذرته الأولى والأخيرة، وكان المستفيد منه في كل الأحوال.
وأن الحركة الإسلامية المغربية وشبيبتها الإسلامية (وليست شبيباتها الإسلامية كماصرحت به) كانت من نشأتها الأولى وإلى الآن لا تؤمن بالإرهاب حلا لأي قضية وفي أي مجتمع.
وأن الأحداث الإرهابية التي يحاول البعض نسبتها إلينا هي أحداث للأجهزة الأمنية السابقة يد في صناعتها والدفع إليها واستثمارها، لا سيما في زمن إدريس البصرى الذي كان يرسل الجواسيس إلى بعض الأقطار المعادية ليضرب عصافير بحجر واحد، يضرب به الشبيبة الإسلامية، ويضرب به البلد المعادي، ويوظف ذلك في التقرب للملك ونيل ثقته، بل وفي تخويفه وعزله وجعله يعتمد كليا على أم الوزارات، كما يبني به كذلك مجده الشخصي على حساب دعوة الإسلام وأمن الوطن واستقراره وحاضره ومستقبله. مجده الذي بنى آخر لبنة فيه بفنادق باريس العامرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ عبد الكريم مطيع الحمداوي
المرشد العام للحركة الإسلامية المغربية